المادة    
‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول رحمه الله: [وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملاً به وتصديقاً له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع].
فقوله: (خبر الواحد) لم يجعله مطلقاً، وقد تقدم في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى وشيخ الإسلام أن ظنهم أن أهل الحديث أو أهل السنة والجماعة يقبلون خبر الواحد أي واحد أو أي مسألة خطأ، وإنما يقبلون خبر الواحد بالنسبة للحديث إذا كانت الشروط متوفرة فيه، ثم في نفس الوقت ليس أي خبر واحد هو عندنا مقبول بإطلاق، وإنما قيده بقوله: (إذا تلقته الأمة بالقبول) أي: فليس هو عندنا يفيد اليقين بإطلاق؛ لأنه قد يكون خبر واحد وهو ثقة، ولكن قد يكون شاذاً إذا خالف الثقات، وقد يكون فيه علة من العلل، فليس مجرد أنه خبر واحد يقبل ولو كان هذا الواحد ثقة، ثم متى يفيد العلم اليقيني؟ نص هنا على أنه يفيد اليقين (إذا تلقته الأمة بالقبول عملاً به وتصديقاً له) والمقصود بالأمة: أهل الاختصاص، وهم علماء الحديث الذين يميزون وينقلون وينقدون بين صحيح الأخبار وسقيمها؛ ولذلك أعلى درجات أحاديث الآحاد هي: ما اتفق عليه الشيخان: البخاري و مسلم ؛ لأن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول إلا بعض ألفاظ في الصحيحين غير ثابتة، لكن في الجملة فالكتابان ثابتان متلقيان بالقبول، وما انتقد في الصحيحين منازع فيه، ولكن بعضه وهو القليل نقول: هذا اللفظ بذاته قد نوافقكم على أنه غير ثابت، لكن لا يعني ذلك رد أحاديث الكتابين جملة، وأنهما قد تلقيا بالقبول منذ أن ألفا إلى آخر الزمان، فخبر الواحد هذا -قيده الذي ذكره- (يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة) وقد سبقت الإشارة إلى أقوال العلماء، وأنه يفيد العلم اليقيني، كالإمام الشافعي والإمام أحمد ، وذكرنا أقوال الحنفية والظاهرية، ولـابن حزم كلام طويل في هذا، فكل المذاهب متفقة على ذلك، لكن نقل عن الشافعي والإمام أحمد رواية قد تشعر بأن خبر الواحد لا يفيد اليقين، وبينا هنالك أيضاً أن هذا الكلام غير ثابت، إذ إن ما نقل عن الشافعي رحمه الله لا يقتضي أن خبر الواحد لا يفيد اليقين، وأما ما نقل عن الإمام أحمد فهو مردود بالرواية الأصح والأشهر عنه، وهي أنه يفيد العلم، ومع أن كونه لا يفيد العلم اليقيني لا يعني أنه يرد؛ لأن الذين يقولون: إن خبر الواحد لا يفيد العلم اليقيني يقولون: إنه وإن كان مظنوناً فإنه يجب علينا العمل بالظن، لكن يفرق بعضهم بين الأحكام العملية وبين الأمور الخبرية العلمية، فأهل البدع وأهل الكلام وأمثالهم يقولون: لا نأخذ به في الخبريات، أي: في العلميات أو الاعتقاديات.
أما في الأحكام العملية أو في الفروع كما يسمونها فهم يجيزون ذلك؛ ولهذا ناقش الشيخ رحمه الله مسالة التفريق بين الفروع والأصول، ونقد هذه المسألة عموماً عندهم، قال: [وهو أحد قسمي المتواتر] أي: إذا كان متواتراً تواتراً معنوياً؛ لأن التواتر إما أن يكون لفظياً وإما أن يكون معنوياً، فإذا تواتر تواتراً لفظياً فلا إشكال فيه عند الجميع نظرياً، وإلا فإن أهل البدع يردونه ولو كان متواتراً، حتى لو كان آية من كتاب الله فيؤولونها والعياذ بالله، لكن المقصود أنه سواء تواتر لفظه أو تواتر معناه، فهذا الذي أجمعت الأمة على قبوله، وأنه يفيد اليقين، وهذا هو أحد أنواع التواتر، أي: التواتر المعنوي الذي اتفقت الأمة على معناه وإن لم تتفق على رواية لفظه، ولم يكن بين سلف الأمة فيه نزاع.
  1. أمثلة على الأخبار المتواترة معنوياً المتلقاه بالقبول

  2. عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بخبر الآحاد